رسالة الصوم 12 للبطريرك الرَّاعي «متفرقات

 

 

 

رسالة الصوم الثانية عشرة

للبطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي

الصوم في زمن الكنيسة السينودسيّة 

روما 2022

إلى إخواننا السادة المطارنة الأجلّاء،

وقدس الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات،

والكهنة والرهبان والراهبات المحترمين،

وسائر أبناء كنيستنا المارونيّة في لبنان والنطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار الأحبّاء، 

السلام بالربّ يسوع والبركة الرسوليّة

 

 

 

يسعدني أن أتناول في رسالة الصوم لهذه السنة الخدمات الثلاث المتكاملة والمترابطة: خدمة الكلمة والصلاة والمحبة، وطابعها الشخصي والجماعي في مسيرة الكنيسة السينودسيّة، وتوجيهات راعوية تختصّ بالصوم والقطاعة.

 

 

 

أولاً: الخدمات الثلاث

1. جمع الرسل الاثنا عشر في بداية مسيرة الكنيسة الناشئة بين ثلاث: خدمة الكلمة، والصلاة، وخدمة الفقراء التي من أجلها أنشأوا الشمامسة السبعة ومن بينهم الشهيد الأول اسطفانوس. فتعاهدوا على هذه الثلاثة كهويّة ورسالة للكنيسة، بالشكل الدائم.

 

 

هذا ما نقرأه في كتاب أعمال الرسل: "لا يحسن بنا أن نترك كلمة الله لنخدُم الموائد ... فنختار سبعة ممتلئين من الروح والحكمة، فنُقيمهم على هذه الحاجة، ونواظب نحن على الصلاة وخدمة الكلمة" (رسل 6: 2-4).

 

 

2. إن زمن الصوم الكبير تذكير وتفعيل لهذه الخدمات الثلاث بالإضافة الى عيش شريعة الصيام والقطاعة كعلامة للتوبة والتكفير عن الخطايا، خطايانا الشخصيّة وخطايا غيرنا، وعن الشر الموجود في العالم، أصنعناه نحن أم غيرنا، كما نُصلّي في المزمور الخمسين: "إرحمني يا الله كعظيم رحمتك ... لأنّي عارف بآثامي وخطاياي أمامي في كلّ حين. لك وحدك خطئت والشرّ قدّامك صنعت".

 

في الواقع، في زمن الصوم، تقام الرياضات الروحيّة في الرعايا للتعمّق في كلام الله بالمواعظ والإرشادات والبرامج التعليميّة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي؛ وتتأمّن أجواء الصلاة وإمكانيّة الاعترافات ورتب التوبة وتوزيع نعمة الأسرار؛ وتتفعّل خدمة المحبة الاجتماعية في البطريركيّة والأبرشيّات والرعايا والرهبانيّات والأديار، وتُقدّم المساهمات في حملة كاريتاس-لبنان على أبواب الكنائس وفي المؤسسات الكنسيّة والمدنيّة وعلى الطرقات العامة، ويُنسَّق التعاون مع المنظمات الخيرية غير الحكوميّة وفي طليعتها كاريتاس – لبنان، جهاز الكنيسة الراعوي الاجتماعي.

 

3. إنّ كلمة الله تولّد الإيمان المعبَّر عنه بالصلاة المعاشة، أما المحبة فتنبع من قلب الله وتمرّ عبر قلبنا نحو الآخر (agàpe). هذه المحبة هي التعبير عن التوبة التي بها نعبُر من الأنانية ومحبة الذات الى اللقاء وسخاء اليد والقلب. بالتوبة الحقيقية نعرف أننا لم نُحبّ؛ وبممارسة الغفران نبلغ الى ذروة الصوم والصلاة والصدقة، ذلك ان الغفران هو التعبير عن الحبّ الأعظم.

 

4الصدقة تفقد جوهرها إذا فُصلت عن خدمة المحبة، لأنها قد تُصبح فعلاً عابراً وموسمياً، لزمن الصوم الكبير. فينبغي أن تكون نهج حياة، معروفاً بفضيلة التضامن الذي هو الشعور والتصرّف بأننا مسؤولون كلنا عن كلنا. في هذه الحالة تبدأ الصدقة بالنظرة الملأى بالعاطفة، قبل أن تكون مساعدة ماديّة. فالقلب هو الذي يقدّم ذاته، ويُقدّم المساعدة التي هي التعبير عن إنسانيّة تُعطي ذاتها بفرح.

 

 

***

ثانياً: مسيرة الكنيسة السينودسيّة في زمن الصوم الكبير

5. إن مسيرة التحضير لجمعيّة سينودس الأساقفة الروماني بموضوع: "من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة"، تأخذ في زمن الصوم الكبير دفعاً ومضموناً أعمق.

فخدمة الكلمة والصلاة والمحبة تقتضي كنيسة تسير معاً، أكانت مجسّدة في أبرشيّة، أو في رعيّة، أو في رهبانيّة، أو في جماعة ديريّة، أو كانت مجتمعاً مدنياً منظماً. 

هذا السير معاً يتوجّه نحو ثلاثة:

الشركة، وهي الاتحاد بالله عمودياً، والوحدة مع جميع الناس أفقياً.

والمشاركة، وهي تقاسم ما عندنا وما نملك وما نحن مؤتمنون عليه مع الذين هم في حاجة ماديّة، أو روحيّة، أو معنويّة، أو تربويّة، أو اجتماعية. 

والرسالة، وهي رسالة المسيح المسلّمة للكنيسة ولكلّ مُعمّد ومُعمّدة. انها رسالة الحقيقة والمحبة، والحريّة، والعدالة، والسلام.

عندما نقول "سينودس" أي السير معاً، نعني واجب التزام كل واحد وواحدة والجميع في هذه المسيرة المشتركة. فلا تخضع لمزاج الأفراد. فنحن جسد المسيح الواحد الذي لا يتفكك عندما يتحرّك ويمشي. 

 

 

***

 

ثالثاً: تدابير راعويّة

أ- الصوم والقطاعة والاعفاء منهما

6. الصيامُ هو الإمتناع عن الطعام من نصف الليل حتى الظهر، مع إمكانيّة شربِ الماء فقط، من إثنين الرماد (28 شباط) حتى سبت النور (16 نيسان)، باستثناء الأعيادِ التالية: مار يوحنّا مارون (2 آذار)، الأربعون شهيدًا (9 آذار)، مار يوسف (19 آذار)، بشارة العذراء (25 آذار)؛ وشفيع الرعيّة؛ وباستثناء السبت والأحد من كل أسبوع، بحسبِ تعليمِ القوانينِ الرسوليّة (سنة 380). ففي السبتِ تذكارُ الخلق، وفي الأحد تذكار القيامة. تستثني هذه القوانينُ سبت النور " لأنّ اليومَ الذي كان فيه الخالقُ تحتَ الثرى، لا يحسنُ الإبتهاجُ والعيد، فالخالقُ يفوقُ جميعَ خلائقِه في الطبيعةِ والإكرام".

 

 

7. القطاعة هي الإمتناع عن أكلِ اللَّحمِ والبياضِ طيلة الأسبوع الأول من الصوم، وأسبوع الآلام، وفي كلِّ يومِ جمعة على مدار السنة، ما عدا الفترةَ الواقعةَ بين عيدَي الفصحِ والعنصرة، والميلاد والدنح، والأعياد الليتورجيّة الواجبة فيها المشاركة بالقدّاس الإلهيّ مثل: الميلاد، والغطاس، وتقدمة المسيح إلى الهيكل، ومار مارون، ومار يوسف، والصعود، والرسولين بطرس وبولس، وتجلّي الربّ، وانتقال العذراء إلى السماء، وارتفاع الصليب، وجميع القدّيسين، والحبل بلا دنس، وعيد شفيعِ الرعية.

 

 

8. يُعفى من الصَّوم والقطاعة على وجهٍ عامّ المرضى والعجزة الذين يَفرِض عليهم واقعهم الصِّحيّ تناول الطَّعام ليتقوَّوا وخصوصًا أولئك الذين يتناولون الأدوية المرتبطة بأمراضهم المزمنة والذين هم في أوضاعٍ صحِّيَّةٍ خاصَّةٍ ودقيقةٍ، بالإضافة إلى المرضى الذين يَخضَعُون للاستشفاء المؤقَّت أو الدَّوريّ. ومعلومٌ أنَّ الأولاد يَبدَأون الصَّوم في السَّنة التي تلي قربانتهم الأولى، مع اعتبار أوضاعهم في أيَّام الدِّراسة.

هؤلاء المعفيُّون من شريعة الصَّوم والقطاعة مدعوُّون للاكتفاء بفطورٍ قليلٍ كافٍ لتناول الدَّواء، أو لمتابعة الدروس إذا كانوا تلامذةً وطلاباً. المعفيّون مدعوون للتعويض بأعمال خير ورحمة. 

 

 

 

ب – القطاعات خارج زمن الصوم الكبير

9. تُمارس القطاعة خارج زمن الصوم الكبير بحسب العادة التقويّة، القديمةِ العهد، والمُحافظِ عليها في جميع الكنائس الشرقيّة، الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، استعدادا لأعياد محدّدة وحصرنا كل واحدة بأسبوع تسهيلاً للمؤمنين، وهي: قطاعة ميلاد الربِّ يسوع، من 16 إلى 24 كانون الأوّل، وقطاعة القدّيسين الرسولين بطرس وبولُس من 21 إلى 28 حزيران، وقطاعة انتقال السيّدةِ العذراء إلى السماء من 8 الى 14 آب.

 

 

ج - الصوم القربانيّ 

10. هو الامتناع عن تناول الطعام ابتداءً من نصف الليل قبل المناولة أو على الأقلّ ساعة قبلها، استعداداً للإتحاد بالربّ بمناولة جسده ودمه.

 

 

***

 

الخاتمة

11. مع الكنيسة الجامعة نسير كنيسةً سينودسيّة في زمن الصوم الكبير، بقيادة قداسة البابا فرنسيس، ملتزمين ببناء الشركة، وهي الاتحاد العمودي مع الله، والوحدة الأفقيّة مع جميع الناس؛ وبالمشاركة في خيرات الأرض مع المحتاجين من إخوتنا وأخواتنا؛ وبالقيام برسالة إعلان كلمة الله، ورفع الصلاة الى الله من أجل السلام في أوطاننا، وبخاصة في بلدان الشرق الأوسط وفي لبنان. 

 

مع دوام صلاتي ومحبتي.

عن مقرّنا المؤقت بروما، في 22 شباط 2022

+ الكردينال بشارة بطرس الراعي

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق

 

موقع بكركي.